

· By The Wast Team
الحرف القديمة لا تزال حاضرة في البلد
الحرف القديمة لا تزال حاضرة في البلد: رحلة عبر الزمن
الشرق الأوسط كنزٌ دفينٌ من التاريخ، وأسواقه - أسواقٌ شعبيةٌ وبازاراتٌ وورشٌ حرفية - متاحفٌ حيةٌ لا تزال تزدهر فيها الحرف القديمة. هذه الأسواق، العريقة في تقاليدها العريقة، هي القلب النابض للتراث الثقافي للمنطقة. من دمشق إلى القاهرة وما بعدها، لا تُحفظ الحرف القديمة فحسب، بل يُمارسها حرفيون مهرةٌ بنشاط، مما يتيح للزوار فرصةً لمشاهدة تقنياتٍ عريقةٍ توارثتها الأجيال. في هذه التدوينة، سنلقي نظرةً عن كثب على بعضٍ من أروع الحرف القديمة التي لا تزال حيةً في أسواق الشرق الأوسط اليوم.
1. فولاذ دمشق: فن صناعة الشفرات (دمشق، سوريا)
يُعدّ الفولاذ الدمشقي من أبرز الحرف اليدوية في الشرق الأوسط، وهو تقنية تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وتشتهر بشفراتها الجميلة المنقوشة. ورغم اندثار هذه التقنية لقرون، إلا أن الحرفيين المهرة في دمشق أعادوا إحياء هذا الفن العريق. تُصنع السكاكين والسيوف والخناجر من الفولاذ الدمشقي باستخدام تقنية تُشكّل أنماطًا متموجة ومتدفقة في المعدن، مما يمنح كل قطعة مظهرها الفريد.
عملية التصنيع معقدة وغامضة. يدمج الحدادون الحديد مع الكربون لتكوين طبقات، ثم يصقلونها معًا بشكل متكرر، مما يُنتج نمطًا مميزًا. لا تشتهر هذه الشفرات بجمالها فحسب، بل أيضًا بمتانتها وحدتها. في دمشق، يُعد سوق الحميدية مكانًا رائعًا لمشاهدة الحرفيين أثناء عملهم وشراء قطعة تاريخية رائعة وعملية تُجسد حرفية القرون الماضية.
٢. الخط العربي: فن الكتابة (القاهرة، مصر)
يُعدّ الخط العربي من أكثر الفنون القديمة احترامًا في الشرق الأوسط، إذ يعود أصله إلى القرن السابع الميلادي. بدأ كوسيلة لنسخ القرآن الكريم بإتقان، لكنه تطور على مر القرون ليصبح شكلًا فنيًا مؤثرًا. واليوم، تجد الخط العربي بأشكال متعددة - على الجدران والمخطوطات والمجوهرات والفخار. وقد ألهم خطه المعقد والسلس، الذي يجمع بين الجمال والمعنى، أجيالًا من الفنانين.
في سوق خان الخليلي بالقاهرة، ستجدون محلاتٍ يُبدع فيها الحرفيون أعمالاً خطيةً بديعة، يضمّ العديد منها آياتٍ قرآنيةً وأشعاراً ومقولاتٍ لفلاسفةٍ مشهورين. غالباً ما تُرسم هذه الأعمال أو تُنقش على الخشب أو الزجاج أو المعدن، وهي أعمالٌ مطلوبةٌ بشدةٍ من هواة الجمع والزوار الذين يتطلعون إلى اقتناء قطعةٍ من هذا الفن العريق.
3. الفخار والسيراميك: تقاليد بكل أشكالها (عمان، الأردن)
الفخار من أقدم الحرف في العالم، والشرق الأوسط ليس استثناءً. ففي مدن مثل عمّان، الأردن، وغيرها، يعود تقليد صناعة الفخار إلى آلاف السنين. يصنع الحرفيون المحليون يدويًا قطعًا فخارية جميلة وعملية، بدءًا من الأطباق المزخرفة ووصولًا إلى الأكواب والمزهريات وبلاط الفسيفساء المزخرف. وغالبًا ما تتوارث التقنيات المستخدمة جيلًا بعد جيل، حيث يُضفي كل حرفي لمسته الفريدة على التصاميم. إن استخدام الألوان الترابية والأنماط الهندسية والزخارف الزهرية يجعل فخار الشرق الأوسط مميزًا على الفور.
في أسواق عمّان المحلية، تجدون أواني وأباريق وبلاطًا مطلية يدويًا بزخارف تقليدية، تُحرق غالبًا في فرن لإضفاء لمسة نهائية متينة ولامعة. العديد من التصاميم مستوحاة من الطبيعة والرموز الثقافية، مما يجعل كل قطعة تعبيرًا عن المهارة الفنية والهوية الثقافية. يُعدّ الفخار تذكارًا رائعًا للعودة، ليس فقط لجماله، بل لارتباطه بالأرض وتاريخها العريق.
4. النسيج وصناعة السجاد: المنسوجات البدوية (عمان، الأردن والقاهرة، مصر)
لطالما كان النسيج جزءًا أساسيًا من حياة سكان الشرق الأوسط لقرون، وتشتهر المنطقة بإنتاج بعضٍ من أجود أنواع المنسوجات في العالم. وعلى وجه الخصوص، دأبت نساء البدو على نسج السجاد والبسط والأقمشة الملونة والمعقدة عبر الأجيال. وغالبًا ما تحمل التصاميم طابعًا رمزيًا، تعكس قصص النساج الشخصية أو التقاليد الثقافية لقبيلتها. وتُنقل تقنيات النسيج من الأم إلى ابنتها، مما يُبقي هذا التقليد حيًا رغم تحديات العصر الحديث.
في عمّان والقاهرة، ستجدون سجادًا ومنسوجات يدوية الصنع رائعة الجمال، تتميز بأنماط هندسية خلابة، وألوان ترابية، وألوان زاهية من الأحمر والأزرق والأصفر. تزخر أسواق هاتين المدينتين بأكشاك يعرض فيها الحرفيون السجاد والوسائد والأوشحة المنسوجة يدويًا. كل قطعة تُجسّد قرونًا من المعرفة والحرفية، حيث تحمل كل عقدة وخيط دلالة ثقافية عميقة. سواء كنتم تبحثون عن سجادة عتيقة أو إعادة صياغة عصرية، فإن هذه المنسوجات اليدوية تُعد من أكثر الحرف اليدوية رواجًا في الشرق الأوسط.
٥. نفخ الزجاج الخليليّ: فنّ في كلّ فقاعة (الخليل، فلسطين)
يُعد نفخ الزجاج من أقدم الحرف في الشرق الأوسط، وتُعد مدينة الخليل في فلسطين موطنًا لأحد أشهر تقاليد فن الزجاج. يُعرف زجاج الخليل عالميًا بألوانه الزاهية وأنماطه المعقدة وإتقانه في كل قطعة. يعود تاريخ هذه الحرفة إلى العصرين الروماني والبيزنطي، وقد استمرت ممارستها وصقلها على مر القرون، مما يجعلها كنزًا أصيلًا من كنوز الشرق الأوسط.
لا يزال حرفيو الخليل ينفخون ويشكلون الزجاج يدويًا باستخدام التقنيات التقليدية، فيصنعون كل شيء بدءًا من الزخارف الزجاجية الرقيقة وصولًا إلى القطع العملية مثل المزهريات والأباريق. ومن السمات الفريدة لزجاج الخليل دمجه المتكرر لأوراق الذهب والفضة، بالإضافة إلى معادن أخرى، لخلق تأثير لامع وملفت. في أسواق الخليل المحلية، ستجد متاجر يصنع فيها الحرفيون هذه القطع الزجاجية الرائعة أمام عينيك مباشرةً، مما يمنحك لمحة عن حرفة توارثتها الأجيال. سواء كنت تبحث عن قلادة زجاجية ملونة أو مزهرية مزخرفة رائعة، فإن زجاج الخليل تذكار لا غنى عنه من المنطقة.
6. الزخرفة الفضية: صناعة المجوهرات المعقدة (دمشق، سوريا)
زخرفات الفضة الدقيقة حرفةٌ عريقةٌ أخرى لا تزال حيةً في دمشق. يتضمن فنّ زخرفات الفضة الدقيقة لفّ خيوطٍ رفيعةٍ من الفضة ولفّها في تصاميمٍ معقدة. وقد مورست هذه التقنية لقرون، حيث يُبدع الحرفيون كل شيءٍ من المجوهرات إلى التحف الزخرفية. إن الطبيعة المعقدة لزخرفات الفضة الدقيقة تجعلها حرفةً تستغرق وقتًا طويلاً، وتتطلب مهارةً فائقةً لصنع هذه القطع الدقيقة.
تشتهر دمشق بمجوهراتها الفضية المزخرفة، بما في ذلك القلائد والأقراط والخواتم والأساور. في الأسواق المحلية، يمكنك رؤية حرفيين يصنعون قطعًا رائعة أمام عينيك، والعديد من التصاميم تعكس النقوش العربية التقليدية. تُعد هذه القطع الفضية المزخرفة تذكارات خالدة، تحمل أهمية ثقافية وتاريخية.
لماذا هذه الحرف القديمة مهمة؟
إن بقاء هذه الحرف القديمة على قيد الحياة حتى اليوم دليلٌ على صمود ثقافات الشرق الأوسط. ففي عصر الإنتاج الضخم، يواصل هؤلاء الحرفيون ممارسة تقنياتٍ صقلتها آلاف السنين، ويشكل عملهم صلةً مباشرة بتاريخ المنطقة الغني. بدعمهم لهذه الحرف، لا يقتصر دور الزوار على جلب كنوزٍ فريدةٍ مصنوعةٍ يدويًا إلى منازلهم فحسب، بل يُسهمون أيضًا في الحفاظ على تراثٍ ميّز الشرق الأوسط لقرون.
لذا، في زيارتك القادمة للشرق الأوسط، احرص على استكشاف الأسواق المحلية وتجربة هذه الحرف اليدوية العريقة عن كثب. سواءً كنت تشتري قطعة من الفولاذ الدمشقي، أو سجادة منسوجة بإتقان، أو لوحة من الخط العربي، فأنت لا تحمل معك تذكارًا فحسب، بل تحمل معك قطعة من التاريخ الحي.